فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة التكوير:
{إِذَا الشَّمْسُ كورت (1)}
قوله: {إِذَا الشمس}: في ارتفاع {الشمسِ} وجهان، أصحُّهما: أنها مرفوعةٌ بفعلٍ مقدرٍ مبنيٍّ للمفعول، حُذِف وفَسَّره ما بعده على الاشتغالِ. والرفعُ على هذا الوجهِ أعني إضمارَ الفعل واجبٌ عند البصريين؛ لأنهم لا يُجيزون أَنْ يَلِيَها غيرُه، ويتأوَّلون ما أَوْهَمَ خلافَ ذلك، والثاني: أنها مرفوعةٌ بالابتداء، وهو قول الكوفيين والأخفش لظواهرَ قد جاءَتْ في الشعر، وانتصر له ابنُ مالك وهناك أظهَرْتُ معه البحثَ.
وقال الزمخشري: ارتفاعُ الشمسُ على الابتداءِ أو الفاعلية.
قلت: بل على الفاعلية. ثم ذكرَ نحوَ ما تقدم. ويعني بالفاعلية ارتفاعَها بفعلٍ في الجملة، وقد مرَّ أنه يُسَمَّى مفعولُ ما لم يُسَمَّ فاعلُه فاعلاً. وتقدَّم تفسير التكوير في أوّلِ {تنزيلُ}. وارتفاعُ {النجوم} وما بعدَها كما تقدَّم في {الشمس}.
{وَإِذَا النُّجُومُ انكدرت (2)}
والاْنكِدار: الانتثارُ، أي: انصبتْ كما يَنصب العُقابُ إذا كُسِرَتْ.
قال العَجَّاجُ يصفُ صَقرا:
أَبْصَرَ خِرْبانَ الفَلاةِ فانكَدَرْ ** تَقَضِّيَ البازيْ إذا البازيْ كَسَرْ

{وَإِذَا الْعِشَارُ عطلت (4)}
والعِشار: جمع عُشَراء، وهي الناقةُ التي مَرَّ لِحَمْلِها عشرةُ أشهرٍ، ثم هو اسمُها إلى أَنْ تَضَعَ في تمام السنةِ، وكذلك (نِفاس) في جَمْع نُفَساء.
وقيل: العِشارُ: السَّحابُ. وعطلت، أي: لا تُمْطر.
وقيل: الأرضُ التي تَعَطَّل زَرْعُها. والتَّعْطيل: الإِهمالُ. ومنه قيل للمرأة: (عاطِلٌ) إذا لم يكُنْ عليها حُلِيّ. وتقدَّم في {بئرٍ مُعَطَّلةٍ}.
وقال امرؤ القيس:
وجِيْدٍ كجِيْدِ الرِّئْمِ ليس بفاحشٍ ** إذا هي نَصَّتْهُ ولا بمُعَطَّلِ

وقرأ ابنُ كثير في روايةٍ {عطلت} بتخفيفِ الطاءِ.
قال الرازي: هو غَلَطٌ، إنما هو {عطلت} بفتحتَيْنَ بمعنى تَعطلت؛ لأنَّ التشديدَ فيه للتعدي. يُقال: عطلت الشيءَ وأَعطلته فَعَطَلَ.
و{الوحوش}: ما لم يَتَأنَّسْ من حيوانِ البَرِّ. والوَحْشُ أيضاً: المكانُ الذي لا أنس فيه، ومنه لَقِيْتُه بوَحْشِ إصْمِت، أي: ببلدٍ قَفْر. والوحشُ: الذي يَبيت جوفُه خالياً من الطعام، وجمعُه أَوْحاش، ويُسَمَّى المنسوبُ إلى المكانِ الوَحْشِ: وَحْشِيّ، وعَبَّر بالوَحْشِيِّ عن الجانبِ الذي يُضادُّ الإِنسيَّ، والإِنسيُّ ما يُقْبَلُ من الإِنسان، وعلى هذا وحشيُّ الفَرَس وإنْسِيُّه. وقرأ الحسن وابن ميمون بتشديد الشينِ مِنْ حشرت.
{وَإِذَا الْبِحَارُ سجرت (6)}
قوله: {سجرت}: قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ {سجرت} بتخفيف الجيم، والباقون بتثقيلِها على المبالغةِ والتكثيرِ. وتقدَّم اشتقاقُ هذه المادةِ.
{وَإِذَا النُّفُوسُ زوجت (7)}
قوله: {زوجت}: العامَّةُ على تشديد الواوِ مِنْ التزويجِ، ورُوي عن عاصمٍ {زُوْوِجَتْ} على فُوْعِلَتْ.
قال الشيخ: والمُفَاعَلَةُ تكون بين اثنين. انتهى.
قلت: وهي قراءة مُشْكِلَةٌ: لأنه ينبغي أَنْ يُلفَظَ بواوٍ ساكنةٍ أخرى مكسورةٍ. وقد تقدَّم لك أنَّه اجتمع مِثْلان، وسَكنَ أوَّلُهما وَجَبَ الإِدغام حتى في كلمتين، ففي كلمةٍ واحدةٍ بطريقِ الأَوْلى.
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)}
قوله: {الموءودة}: هي البنتُ تْدْفَنُ حيةً مِنْ الوَأْدِ، وهو الثِّقَلُ؛ لأنَّها تُثْقَلُ بالترابِ والجَنْدَل. يقال: وَأَدَه يَئِدُهُ كوَعَدَه يَعِدُه.
وقال الزمخشري: وَأَدَ يَئِدُ، مقلوبٌ مِنْ آد يَؤُوْد إذا أَثْقَلَ.
قال اللَّهُ تعالى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة: 255] لأنه إثْقال بالتراب.
قال الشيخ: ولا يُدَّعى ذلك؛ لأنَّ كلاً منهما كاملُ التصرُّفِ في الماضي والأمرِ والمضارعِ والمصدرِ واسمِ الفاعلِ واسمِ المفعولِ، وليس فيه شيءٌ مِنْ مُسَوِّغات ادِّعاءِ القَلْبِ. والذي يُعْلَمُ به الأصالةُ مِنْ القَلْب: أَنْ يكونَ أحدُ النَّظْمَيْن فيه حُكْمٌ يَشْهَدُ له بالأصالةِ، والآخرُ ليس كذلك أو كونُه مجرداً من حروف الزيادة والآخر فيه مزيداً، وكونُه أكثرَ تصرفاً والآخر ليس كذلك، أو أكثرَ استعمالاً من الآخرِ، وهذا على ما قُرِّرَ وأُحْكِمَ في علمِ التصريفِ. فالأول: كيَئِس وأيِسَ. والثاني: كَطَأْمَنْ واطمأنَّ. والثالث: كشوايع وشواعِي. والرابع: كلَعَمْري ورَعَمْلي.
وقرأ العامَّةُ: {المَوْءُوْدَة} بهمزةٍ بينَ واوَيْن ساكنتَيْن كالمَوْعودة. وقرأ البزيُّ في روايةٍ بهمزةٍ مضمومةٍ ثم واوٍ ساكنةٍ. وفيها وجهان، أحدُهما: أَنْ تكونَ كقراءة الجماعة ثم نَقَلَ حركةَ الهمزةِ إلى الواوِ قبلها، وحُذِفَتِ الهمزةُ، فصار اللفظُ المَوُوْدَة: واوٌ مضومةٌ ثم أخرى ساكنةٌ، فقُلبت الواوُ المضمومةُ همزةً نحو: (أُجوه) في وُجوه، فصار اللفظُ كما ترى، ووزنُها الآن المَفُوْلة؛ لأنَّ المحذوفَ عينُ الكلمةِ. والثاني: أَنْ تكونَ الكلمةُ اسمَ مفعولٍ مِنْ آدَه يَؤُوده مثلَ: قاده يَقُوده. والأصلُ: مأْوُودة، مثلَ مَقْوُوْدة، ثم حَذَفَ إحدى الواوين على الخلافِ المشهورِ في الحَذْفِ مِنْ نحوِ: مَقول ومَصُوْن فوزنُها الآن: إمَّا مَفُعْلَة إنْ قلنا: إنَّ المحذوفَ الواوَ الزائدةُ، وإمَّا مَفُوْلة إنْ قُلْنا: إنَّ المحذوفَ عينُ الكلمةِ، وهذا يُظْهِرُ فَضْلَ عِلْمِ التصريفِ.
وقرئ: {المَوُوْدة} بضمِّ الواو الأولى على أنه نَقَل حركةَ الهمزةِ بعد حَذْفِها ولمَ يَقْلِبَ الواوَ همزةً. وقرأ الأعمش {المَوْدَة} بزنةِ المَوْزَة. وتوجيهُه: أنه حَذَفَ الهمزةَ اعتباطاً، فالتقى ساكنان، فحَذَفَ ثانيهما، ووزنُها المَفْلَة؛ لأنَّ الهمزةَ عينُ الكلمةِ، وقد حُذِفَتْ.
وقال مكي: بل هو تخفيفٌ قياسِيٌّ؛ وذلك أنَّه لمَّا نَقَل حركةَ الهمزةِ إلى الواوِ لم يَهْمِزْها، فاستثقلَ الضمَّةَ عليها، فسَكَّنها، فالتقى ساكنان فحَذَفَ الثاني، وهذا كلُّه خروجٌ عن الظاهرِ، وإنما يظهر في ذلك ما نَقَله القراء في وقفِ حمزةَ: أنه يقفُ عليها كالمَوْزَة.
قالوا: لأجل الخطِّ لأنها رُسِمَتْ كذلك، والرسمُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ.
والعامَّةُ على {سُئِلت} مبنياً للمفعولِ مضمومَ السين. والحسنُ بكسرِها مِنْ سال يَسال كما تقدَّم. وقرأ أبو جعفر {قتلت} بتشديد التاءِ على التكثيرِ؛ لأنَّ المرادَ اسمُ الجنسِ، فناسبَه التكثيرُ.
وقرأ على وابن معسود وابن عباس {سَأَلَتْ} مبنياً للفاعل، {قتلت} بضمِّ التاءِ الأخيرة التي للمتكلم حكايةً لكلامِها.
وعن أُبَيّ وابن مسعود أيضاً وابن يعمرَ {سَأَلَتْ} مبنياً للفاعل، {قتلت} بتاءِ التأنيث الساكنةِ كقراءة العامة.
{وَإِذَا الصحف نشرت (10)}
قوله: {نشرت}: قرأ الأخَوان وابن كثير وأبو عمرو بالتثقيل. والباقون بالتخفيف. ونافعٌ وحفصٌ وابنُ ذكوانَ {سعرت} بالتثقيل، والباقون بالتخفيف.
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}
قوله: {عَلِمَتْ}: هذا جوابُ {إذا} أولَ السورةِ وما عطف عليها.
قوله: {كُشِطَتْ} [التكوير: 11]، أي: قُشِرَتْ، مِنْ قولهم: كَشَطَ جِلْدَ الشاةِ، أي: سَلَخَها. وقرأ عبد الله {قُشِطَتْ} بالقاف، وقد تقدَّم أنهما يَتعقبان كثيراً، وأنه قرئ: {قافوراً} و{كافوراً} في {هَلْ أتى على الإنسان}.
{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)}
قوله: {بالخنس}: جمعُ خانِس، والخُنُوس: الانقباضُ. يقال: خَنَسَ من القوم وانْخَنَسَ. وفي الحديث: «فانْخَنَسْتُ»، أي: اسْتَخْفَيْتُ. والخَنَسُ: تأخُّرُ الأَنْفِ عن الشَّفَة مع ارتفاع الأَرْنَبةِ قليلاً. ويقال: رجلٌ أَخْنَسُ وامرأةُ خَنْساءُ. ومنه الخَنساءُ الشاعرة. والخُنَّسُ في القرآن قيل: كواكبُ سبعةٌ: القمران وزُحَلُ والزهرةُ والمُشْتري والمَرِّيخ وعُطارِد. والكُنَّسُ: الدَّاخلة في الكِناس وهو بيتُ الوحشِ. والجواري: جمعُ جارية.
وقيل: هي بَقَرُ الوحشِ؛ لأنَّ هذه صفتُها وقيل: الظِّباء، قالوا: لأنَّ الخَنَسَ يكون فيها.
{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)}
قوله: {عَسْعَسَ}: يقال: عَسْعَسَ وسَعْسَعَ أقبل.
قال العَجَّاج:
حتى إذا الصُّبْحُ لها تَنَفَّسا ** وانْجابَ عنها ليلُها وعَسْعَسا

أي: أَدْبَر.
وقيل: هو لهما على طريق الاشتراك.
وقيل: أَدْبَرَ بلغةِ قريشٍ خاصةً.
وقيل: أقبل ظلامُه، ويُرَجِّحُه مقابلتُه بقوله: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} وهذا هو قريبٌ من إدْباره.
{ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)}
قوله: {عِندَ ذِي العرش}: يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً لـ: {رسولٍ}، وأن يكونَ حالاً مِنْ {مَكين}، وأصلُه الوصفُ، فلمَّا قُدِّمُ نصب حالاً.
{مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)}
قوله: {ثَمَّ أَمِينٍ}: العامَّةُ على فَتْحِ الثاءِ؛ لأنَّه ظرفُ مكانٍ للبعيدِ. والعاملُ فيه {مُطاعٍ}. وأبو البرهسم وأبو جعفر وأبو حيوة بضمِّها جعلوها عاطفةً، والتراخي هنا في الرتبةِ؛ لأنَّ الثانية أعظمُ من الأولى.
{وَمَا هُوَ على الغيب بضنين (24)}
قوله: {بضنين}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء بمعنى مُتَّهم، مِنْ ظنَّ بمعنى اتَّهم فيتعدَّى لواحدٍ.
وقيل: معناه بضعيفِ القوةِ عن التبليغ مِنْ قولهم: (بئرٌ ظَنُوْنٌ)، أي: قليلةُ الماءِ. وفي مصحفِ عبد الله كذلك، والباقون بالضاد بمعنى: ببخيلٍ بما يأتيه من قِبَلِ ربِّه، إلاَّ أنَّ الطبريَّ نَقَلَ أنَّ الضادَ خطوطُ المصاحفِ كلِّها، وليس كذلك لِما مرَّ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، وهذا دليلٌ على التمييز بين الحرفين، خِلافاً لمَنْ يقول: إنه لو وقع أحدُهما مَوْقِعَ الآخرِ لجاز، لِعُسْرِ معرفتِه. وقد شَنَّعَ الزمخشري على مَنْ يقول ذلك، وذكر بعضَ المخارج وبعضَ الصفاتِ، بما لا يَليق التطويلُ فيه. و{على الغيب} متعلق بـ: (ظَنِين) أو بـ: (ضنين).
{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)}
قوله: {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ}: (أين) منصوبٌ بـ: {تَذْهبون} لأنه ظرفٌ مُبْهَمٌ.
وقال أبو البقاء: أي: إلى أين، فحذف حرفَ الجر كقولك: ذهبتُ الشامَ. ويجوزُ أَنْ يُحْمَلَ على المعنى كأنه قال: أين تؤمنون. يعني أنه على الحذفِ، أو على التضمين. وإليه نحا مكي أيضاً، ولا حاجة إلى ذلك البتة؛ لأنه ظرفُ مكانٍ مبهمٌ لا مُخْتَصٌّ.
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)}
قوله: {لِمَن شَاءَ}: بدل من (العالمين) بإعادةِ العاملِ، وعلى هذا فقوله: {أن يَسْتقيمَ} مفعولُ {شاء}، أي: لمَنْ شاء الاستقامة، ويجوزُ أَنْ يكونَ {لمَنْ شاء} خبراً مقدماً، ومفعول {شاء} محذوفٌ، و{أَنْ يَسْتَقيم} مبتدأ. وقد مَرَّ له نظيرٌ.
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}
قوله: {إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله رَبُّ العالمين}: أي: إلاَّ وقتَ مشيئةِ الله، وقال مكي: وأنْ في موضع خفضٍ بإضمارِ الباءِ، أو في موضعِ نصب بحذفِ الخافضِ. يعني أنَّ الأصلَ: إلاَّ بأَنْ، وحينئذٍ تكونُ للمصاحبة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة التكوير:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(بسم الله) كلمة أثلجت من قوم قلوبا، وأوهجت من آخرين قلوبا، من المطيعين أثلجتها، ومن العاصين أ، هجتها، ومن المريدين أبهجتها، ومن العارفين أزعجتها.
قوله جلّ ذكره: {إِذَا الشَّمْسُ كورت}.
ذَهَبَ ضَوْؤُها.
{وَإِذَا النُّجُومُ انكدرت}.
تناثرت وسقطت على الأرض.
قوله جلّ ذكره: {وَإِذَا الْجِبَالُ سيرت}.
أُزِيلَتْ عنها مناكبُها.
{وَإِذَا الْعِشَارُ عطلت}.
وهي النُّوق الحواملُ التي أتى حَمْلُها عَشْرَةَ أشهر... أهملت في ذلك اليوم لشدة أهواله، واشتغال الناس بأنفسهم عنها.
{وَإِذَا الوحوش حشرت}.
أُحْيِيَتْ، وجُمِعَتْ في القيامة لِيُقْتَصَّ لبعضها من بعض؛ فيقتصّ للجّماء من القَرْناء- وهذا على جهة ضَرْبِ المثل؛ إذ لا تكليف عليها.
ولا يبعد أن يكون بإيصال منافع إلى ما وصل إليه ألالم- اليوم- على العِوَضِ.. جوازاً لا وجوباً على ما قاله أهلُ البِدَع.
{وَإِذَا الْبِحَارُ سجرت}.
أُوقدت- مِنْ سجرت التنور أُسْجُرُه سَجْراً، أي: أَحْمَيْتُه.
{وَإِذَا النُّفُوسُ زوجت}.
بالأزواج.
{وَإِذَا المَوْءُدَةُ سُئِلَتْ بِأَىِّ ذَنبٍ قتلت وَإِذَا الصحف نشرت}.
نشرت، أي: بُسِطَت.
{وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَت}.
أي: نُزِعَتْ وطُوِيَتْ.
{وَإِذَا الجحيم سعرت}.
أُوقِدَت.
{وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}.
أي: قُرِّبَتْ من المتقين.
قوله جلّ ذكره: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ}.
هو جوابٌ لهذاه الأشياء، وهذه الأشياء تحصل عند قيام القيامة.
وفي قيام هذه الطائفة (يقصد الصوفية) عند استيلاء هذه الأحوال عليهم، وتجلِّي هذه المعاني لقلوبهم توجد هذه الأشياء.
فمن اختلاف أحوالهم: أنَّ لشموسهم في بعض الأحيان كسوفاً وذلك عندما يُرَدُّون.
ونجومُ علومِهم قد تنكدر لاستيلاء الهوى على المريدين في بعض الأحوال، فعند ذلك {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ}.
قوله جلّ ذكره: {فَلآَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الجوار الْكُنَّسِ}.
أي: أُقْسِمُ، والخُنَّس والكُنَّس هي النجوم إذا غربت.
ويقال: البقر الوحشي.
قوله جلّ ذكره: {وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}.
عسعس. أي جاءَ وأقبل.
{نَفْسٌ}: خرج من جوف الليلِ.
أقسم بهذه الأشياء، وجواب القسم:
{إِنَّهُ لَقول رَسُولٍ كَرِيمٍ}.
إن هذا القرآن لقول رسولٍ كريمٍ، يعني به جبريل عليه السلام.
{ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ}.
{مَكِينٍ} من المكانة، وقد بلغ من قوته أنه قلع قرية آلِ لوطٍ وقلَبَها.
{وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ}.
وهذا أيضاً من جواب القَسَم.
{وَلَقَدْ رَءَاهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ}.
رأى محمدٌ جبريلَ عليه السلام بالأفق المبين ليلةَ المعراج.
ويقال: رأى ربَّه وكان صلى الله عليه وسلم بالأفق المبين.
{وَمَا هُوَ على الغيب بضنين}.
بمُتَّهَمٍ.
قوله جلّ ذكره: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ}.
إلى متى تتطوحون في أودية الظنون والحسبان؟
وإلى أين تذهبون عن شهود مواضع الحقيقة؟
وهلاَّ رجعتم إلى مولاكم فيما سَرَّكم أو أساءَكم؟
{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ}.
ما هذا القرآن إِلاَّ ذكرى {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ}... وقد مضى القول في الاستقامة.
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
أَنْ يشاؤوا. اهـ.

.من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

سورة التكوير:
قولهُ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} {بِأَيِّ ذَنْبٍ قتلت} دَلِيلٌ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّفْسِ إلَّا بِذَنْبِ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ قَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا فَلَا ذَنْبَ لَهُمَا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِيهَا فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ صِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النِّسَاءِ فَكَوْنُهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ على الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ قول الْجُمْهُورِ أَوْ كَوْنُهُمْ يَصِيرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِهَذَا وَحْدَهُ فِي الصَّبِيِّ فَلَا وَالْآيَةُ تَقْتَضِي ذَمَّ قَتْلِ كُلِّ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَسُؤَالَهَا تَوْبِيخَ قَاتِلِهَا وَقولهُ فِي السُّورَةِ: {إنَّهُ لَقول رَسُولٍ كَرِيمٍ} إلَى قولهِ: {وَمَا هُوَ بِقول شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} هُوَ جِبْرِيلُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ تَنَزَّلَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ لَا الشَّيَاطِينُ؛ بِخِلَافِ الْإِفْكِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ تَنْزِلُ بِهِ الشَّيَاطِينُ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَفَّاكِ وَالشَّاعِرِ وَالْكَاهِنِ وَبَيْنَ الْمَلَكِ وَالشَّيْطَانِ وَالْعُلَمَاءِ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ.
قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أَخْبَرَ أَنَّ مَشِيئَتَهُمْ مَوْقُوفَةٌ على مَشِيئَتِهِ وَمَعَ هَذَا فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ وُجُودَ الْفِعْلِ مِنْهُمْ؛ إذْ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ شَائِينَ وَلَا يَقَعُ الْفِعْلُ مِنْهُمْ حَتَّى يَشَاؤُهُ مِنْهُمْ كَمَا فِي قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} {وَمَا يذكرونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَمَعَ هَذَا فلابد مِنْ إرَادَةِ الْفِعْلِ مِنْهُمْ حَتَّى يُرِيدَ مِنْ نَفْسِهِ إعَانَتَهُمْ وَتَوْفِيقَهُمْ. فَهُنَا أَرْبَعُ إرَادَاتٍ: إرَادَةُ الْبَيَانِ وَإِرَادَةُ الْمَشِيئَةِ وَإِرَادَةُ الْفِعْلِ وَإِرَادَةُ الْإِعَانَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.